خلق الله تعالى الإنسان على نحو بديع فالنفس الإنسانية تماما كالكون مليئة بالأسرار المعقدة والمركبة كلما اكتشفنا جانبا منها وجدنا أننا نجهل الكثير منها فبين الوعي واللاوعي وبين العاطفة والعقل والجسد تتناثر الأسرار الإنسانية وتتشابك وعلى الرغم من هذا التشابك المعقد تبدو قضية النفس الإنسانية بسيطة رائقة في حالة واحدة فقط ألا وهي إتباع الفطرة التي تكالبت عليها شياطين الإنس والجن لتشويهها ودفعها إلى المزالق تلك الفطرة التي تراكمت عليها النظريات والفلسفات والأفكار والرؤى المختلفة حتى أصبحت كالحائل الذي يمنع النور ولم يعد للفطرة الإنسانية إلا بابا واحدا ألا وهو الوحي الإلهي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ...} [الأنفال: 24] هذه الدعوة إلى الحياة بكل صور ومعاني الحياة ووفقا للفطرة لن تكون إلا بالاستجابة لكل ما أمر به الله تعالى وكل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لو لم يستوعب العقل جيدا كافة الأبعاد لهذا الأمر إما لأنه يجهل بعض الجوانب الخفية في الأمر أو لأن ضلالات أحاطت به فمنعته الفهم السليم.
هكذا يبدو الأمر تماما عندما نتحدث عن واحدة من أهم وأخطر القضايا التي يعايشها الإنسان على ظهر الأرض بل وأكثرها حساسية كذلك ألا وهي قضية العلاقة الجنسية بين الزوجين.
أهمية العلاقة:
تبدو الغريزة الجنسية كواحدة من أهم وأقوى الغرائز البشرية المتحكمة في السلوك الإنساني قديما وحديثا وأينما تواجد البشر فلا غرابة إذن من اهتمام المشرع بهذه الغريزة يقول الله تعالى ممتنا على عباده: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..} [الروم: 21] هذا السكن والاستقرار والهدوء هو الغاية المنشودة من الزواج ولهذا السكن وجوه عديدة يتداخل فيها الجسد والعاطفة فالفراغ العاطفي ومشاعر القلق والاغتراب لا تهدأ إلا بالسكن بالزوج وفي الوقت ذاته هناك الغريزة الجنسية العارمة التي تثور فتهز كيان الإنسان وقد تدفعه إلى منزلقات خطيرة فيكون الزواج سكنا لنفس تكاد الغريزة أن تطيح بصوابها ولأن الإسلام هو دين الفطرة فلقد حث الشباب على الزواج: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج» رواه البخاري ومسلم وحث النساء على القبول: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» رواه الترمذي فلا ينبغي لقلة المال أو النفوذ أو الوسامة والجمال أن يكون العقبة التي تمنع الحياة وهل هناك ما يمنع الحياة أكثر من غريزة عميقة غير مشبعة.
الإسلام يضع للإنسان الأشياء في موضعها الطبيعي وبحجمها الصحيح أما ما يحدث في مجتمعاتنا فهو خلاف الفطرة فالذي يرفض أن يزوج ابنته من شاب فقير ذي خلق ودين لأنه لن يحقق لها رفاه العيش لم ينظر للأمر بميزان الإسلام المتزن الذي هو ميزان الفطرة السوية لأنه جعل رفاه العيش مقدم على السكن الذي تحتاجه الفتاة المسكينة التي لا يشعر بها أحد ويمنعها الحياء أن تفصح لأحد بما تعانيه.
ثقافة الصورة:
ولأن الإسلام منهج متكامل فلقد حث على غض البصر فالحفاظ على براءة وبكارة المشاعر والأحاسيس عامل أساسي في مشاعر الحب والألفة التي يعايشها الزوجين ونظرة إلى واقعنا الذي سيطرت عليه ثقافة الصورة حيث قدمت الفضائيات صورة مصنوعة للجمال سواء للرجل أو المرأة بطريقة تمنع التجاوب مع شركاء الحياة فتجد الشاب وقد تجاوز الثلاثين أو الخامسة والثلاثين ولم يجد بعد فتاة الأحلام التي تشبه الممثلة الشهيرة التي أدمن النظر إليها.. أو تجد زوجا يهجر زوجته وأطفاله الصغار ذوي الأجنحة الضعيفة لأنه قرر أن يستمتع بحياته ويبحث عن امرأة بجمال المطربة التي خلبت لبه وأصبح يحلم بها أحلام يقظة كالمراهقين.
هذا الرجل دمر حياته وذاك رفض أن يحياها من الأصل وهذا كله من جراء عدم غض البصر فالعقوبة ليست أخروية فحسب نتيجة الذنوب والسيئات بل هي دنيوية أيضا وهي في هذه الحالة عدم القدرة على الاستمتاع بالحياة أو العيش في ضلالات مصنوعة مزيفة.
فالخطوة الأولى من أجل الاستمتاع بحياة زوجية ثرية وموفقة هي الالتزام الديني والخلقي خاصة فيما يتعلق بغض البصر.
الرؤية الشرعية:
شرعت الرؤية الشرعية وفترة الخطبة بغرض التعارف وبتعبير النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي حثه أن ينظر إلى المرأة التي خطبها: «اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» رواه الترمذي فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه الرؤية بالإدام الذي هو جزء أساسي وممتع في الطعام.. هذا النظر يحل جزءا كبيرا جدا من المشكلات التي قد تعتري الحياة الزوجية فيما بعد فلابد في الحياة الزوجية من وجود درجة من القبول الشكلي فصفات كالطول والقصر ولون البشرة وتناسق الملامح ونحو ذلك من الأمور لا يجوز أن تكون أحد أسباب النفور بعد الزواج لأن هذه الأمور تظهر واضحة للعيان من خلال الرؤية الشرعية التي قد تتكرر حتى يشعر كل من الطرفين أن هناك ارتياح وقبول بهيئة الطرف الآخر وكذلك درجة مناسبة من التآلف الروحي «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف» رواه البخاري ومسلم.
فحياة زوجية تبدأ بعدم الخضوع لثقافة الصورة التجارية من جهة وبمشاعر ارتياح وألفة من جهة أخرى والتزام ديني ولجوء إلى المولى عز وجل منذ لحظة الزواج الأولى حتى ييسر هذه الحياة ويباركها فهذه كلها خطوات أساسية من أجل حياة زوجية حميمية هنيئة.
القوامة والفطرة:
يقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] تلك الدرجة تستشعرها كل امرأة في قرارة نفسها ففي أعماق كل أنثى صوت فطري قوي يجعلها تستسيغ هذه الدرجة بل تطلبها وتنشدها ورغم محاولة الفكر النسوي التشويش على هذا الصوت الفطري إلا أنه من القوة والعمق بحيث لا يمكن التشويش عليه بيسر حتى أن هؤلاء النسويات يعانين في حالات كثيرة من مشاعر اكتئابية وفراغ نفسي وعاطفي وانحرافات نفسية متنوعة ليس هذا المجال لتفصيلها.
هذه الدرجة المقصودة بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..} [النساء: 34] لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم المرأة على طاعة زوجها وحسن التعامل معه: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» رواه أحمد والترمذي.. بل وكانت سرعة الاستجابة الحسية للزوج أحد المحكات الإيمانية للمرأة فالمرأة التي تبيت هاجرة فراش زوجها تلعنها الملائكة حتى تصبح بل إن الأحاديث جاءت تفصيلية في هذا الأمر تحديدا فانشغال المرأة بالعمل المنزلي حتى لو كانت تصنع خبزا تخشى عليه الاحتراق ليس مبررا لرفض العلاقة الحميمة وسوء الوضع المعيشي ليس مبررا لرفض العلاقة الحميمة حتى لو كانت على ظهر الهودج فهل هذا إذلال للمرأة كما يدعي المغرضون أم أنه استجابة لصوت الفطرة لدى كل من الرجل والمرأة.. قد تكون هناك مشكلات ومتاعب في حياة الزوجين وقد تشعر المرأة أنها منزعجة من زوجها لدرجة الرفض فلا تتصور تواجدها معه في فراش واحد وهذا منتهى الجهل بحقائق الحياة فالعلاقة الحميمية كفيلة بإزالة الكثير من التوترات أو تخفيفها وتمنح كل من الزوجين طاقة إيجابية جديدة لاستئناف الحياة خاصة إذا تمت مراعاة الضوابط والتوجيهات التي حث عليها ديننا العظيم.
الكاتب: فاطمة عبد الرءوف.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.